التحق جمال عبد الناصر فور تخرجه بسلاح المشاة ونقل إلى منقباد الصعيد, وقد أتاحت له إقامته هناك أن ينظر بمنظار جديد
إلى أوضاع الفلاحين وبؤسهم, وقد التقى في منقباد بكل من زكريا محيي الدين وأنور السادات.
وفي عام 1939 طلب جمال عبد الناصر نقله إلى السودان, فخدم في الخرطوم وفي جبل الأولياء, وهناك قابل زكريا محي
الدين وعبد الحكيم عامر, وفي أيار/ مايو 1940 رقي إلى رتبة ملازم أول.
لقد كان الجيش المصري حتى ذلك الوقت جيشا غير مقاتل, وكان من مصلحة البريطانيين أن يبقوا عل هذا الوضع, ولكن
بدأت تدخل الجيش طبقة جديدة من الضباط الذين كانوا يرنون إلى مستقبلهم في الجيش كجزء من جهاد اكبر لتحرير شعبهم.
وقد ذهب جمال إلى منقباد تملؤه المثل العليا, ولكنه ورفاقه أصيبوا بخيبة الأمل فقد كان معم الضباط عديمي الكفاءة وفاسدين,
ومن هنا اتجه تفكيره إلى الأصح الجيش وتطهيره من الفساد.
في نهاية عام 1941 بينما كان رومل يتقدم نحو الحدود المصرية الغربية عاد جمال عبد الناصر إلى مصر ونقل إلى كتيبة
بريطانية تعسكر خلف خطوط القتال بالقرب من العلمين.
ويذكر جمال عبد الناصر: (في هذه المرحلة رسخت فكرة الثورة في ذهني رسوخا تاما, أما السبيل إلى تحقيقها فكانت لا تزال
بحاجة إلى دراسة, وكنت يومئذ لا أزال أتحسس طريقي إلى ذلك, وكان معظم جهدي في ذلك الوقت يتجه إلى تجميع عدد
كبير من الضباط الشبان الذين اشعر أنهم يؤمنون في قراراتهم بصالح الوطن, فبهذا وحده كنا نستطيع أن نتحرك حول محور
واحد هو خدمة هذه القضية المشتركة).
رقي جمال عبد الناصر إلى رتبة اليوزباشي (نقيب) في 9 أيلول/ سبتمبر 1942, وفي 7 شباط/ فبراير 1943 عين مدرسا
بالكلية الحربية, ومن قائمة مطالعاته في هذه الفترة يتضح انه قرأ لكبار المؤلفين العسكريين من أمثال ليدل هارت
وكلاوزفيتز, كما قرأ مؤلفات الساسة والكتاب السياسيين مثل كروميل وتشرشل, وفي هذه الفترة كان جمال عبد الناصر يعد
العدة للالتحاق بمدرسة أركان الحرب.
وفي 29 حزيران/ يونيو 1944 تزوج جمال عبد الناصر من تحية محمد كاظم- ابنة تاجر من أصل إيراني- كان قد تعرف
إلى عائلتها عن طريق عمه خليل حسين, وقد أنجب ابنتيه هدى ومنى وثلاثة أبناء هم خالد وعبد الحميد وعبد الحكيم.
لعبت تحية دورا هاما في حياته خاصة في مرحلة الإعداد للثورة واستكمال خلايا تنظيم الضباط الأحرار, فقد تحملت أعباء
أسرته الصغيرة – هدى ومنى – عندما كان في حرب فلسطين, كما ساعدته في إخفاء السلاح حين كان يدرب الفدائيين
المصريين للعمل ضد القاعدة البريطانية في قناة السويس في 1951-1952 .
تنظيم الضباط الأحرار:
شهد عام 1945 انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية حركة الضباط الأحرار, ويقول جمال عبد الناصر في
حديثه إلى دافيد مورغان: (لقد ركزت حتى 1948 على تأليف نواة من الناس الذين بلغ استياؤهم من مجرى الأمور في
مصر مبلغ استيائي, والذين توفرت لديهم الشجاعة الكافية والتصميم الكافي للإقدام على التغيير اللازم, وكنا يومئذ جماعة
صغيرة من الأصدقاء المخلصين نحاول أن نخرج مثلنا العليا العامة في هدف مشترك وفي لحظة مشتركة).
وعقب صدور قرار تقسيم فلسطين في أيلول/ سبتمبر 1947 عقد الضباط الأحرار اجتماعا واعتبروا إن اللحظة جاءت للدفاع
عن حقوق العرب ضد هذا الانتهاك للكرامة الإنسانية والدالة الولية, واستقر رأيهم على مساعدة المقاومة في فلسطين.
وفي اليوم التالي ذهب جمال عبد الناصر إلى مفتي فلسطين الذي كان لاجئا يقيم في مصر الجديدة فعرض عليه خدماته
وخدمات جماعته الصغيرة كمدربين لفرقة المتطوعين وكمقاتلين معها, وقد اجابه المفتي بأنه لا يستطيع أن يقبل العرض دون
موافقة الحكومة المصرية, وبعد بضعة أيام رفض العرض, فتقدم عبد الناصر بطلب إجازة حتى يتمكن من الانضمام إلى
المتطوعين, لكن وقبل أن يبت في طلبه أمرت الحكومة المصرية الجيش رسميا بالاشتراك في الحرب, فسافر جمال عبد
الناصر إلى فلسطين في 16 أيار/ مايو 1948, بعد أن كان رقي إلى رتبة صاغ (رائد) في أوائل عام 1948.
جرح جمال عبد الناصر مرتين أثناء حرب فلسطين ونقل إلى المستشفى, ونظرا للدور المتميز الذي قام به خلال المعركة فانه
منح وسام النجمة العسكرية في عام 1949.
بعد رجوعه إلى القاهرة أصبح جمال عبد الناصر واثقا أن المعركة الحقيقية هي في مصر, فبينما كان ورفاقه يحاربون في
فلسطين, كان السياسيون المصريون يكدسون الأموال من أرباح الأسلحة الفاسدة التي اشتروها رخيصة وباعوها للجيش.
بعد عودته من فلسطين عين جمال عبد الناصر مدرسا في كلية أركان الحرب التي كان قد نجح في امتحانها بتفوق في 12
أيار/ مايو 1948, وبدا من جديد نشاط الضباط الأحرار وتألفت لجنة تنفيذية بقيادة جمال عبد الناصر, وضمت كمال الدين
حسين وعبد الحكيم عامر وحسين إبراهيم وصلاح سالم وعبد اللطيف البغدادي وخالد محي الدين وأنور السادات وحسين
الشافعي وزكريا محيي الدين وجمال سالم, وهي اللجنة التي أصبحت مجلس الثورة فيما بعد عام 1950-1951.
وفي 8 أيار/ مايو 1951 رقي جمال عبد الناصر إلى رتبة البكباشي (مقدم) وفي نفس العام اشترك رفاقه من الضباط
الأحرار سرا في حرب الفدائيين ضد القوات البريطانية في منطقة القناة التي استمرت حتى بداية 1952, وذلك بتدريب
المتطوعين وتوريد السلاح- الذي كان يتم في إطار الدعوى للكفاح المسلح من جانب الشباب- لأمن كافة الاتجاهات السياسية
والذي كان يتم خارج الإطار الحكومي.
بيان الثورة:
في صباح يوم 23 تموز/ يوليو وبعد احتلال دار الإذاعة تمت إذاعة بيان الثورة التالي:
(اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم, وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير
على الجيش, وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين, وأما فترة ما بعد الحرب فقد تضافرت فيها
عوامل الفساد, وتأمر الخونة على الجيش, وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في الحرب على فلسطين, وأما فترة ما
بعد الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد, وتآمر الخونة على الجيش, وتولى أمره أما الجاهل أو الفاسد حتى تصبح مصر
بلا جيش يحميها, وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا, وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدراتهم وفي خلقهم وفي
وطنيتهم, ولا بد أن مصر كلها ستتلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب.
أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر, وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب, واني أؤكد
للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور مجردا من أية غاية, وانتهز هذه الفرصة
فاطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بان يلجا لأعمال التخريب أو العنف, لان هذا ليس في صالح مصر, وان أي
عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل وسيلقى فاعله جزاء الخائن في الحال, وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاونا
مع البوليس, واني اطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم, ويعتبر الجيش نفسه مسؤولا عنهم.
والله ولي التوفيق).
جمال عبد الناصر رئيسا لمجلس قيادة الثورة:
في شباط/ فبراير 1954 استقال محمد نجيب بعد أن اتسعت الخلافات بينه وبين أعضاء
مجلس قيادة الثورة, وعين جمال عبد الناصر رئيس المجلس قيادة الثورة ورئيسا لمجلس الوزراء.
قرار التعيين تضمن ما يلي:
(أولاً: قبول الاستقالة المقدمة من لواء أركان الحرب محمد نجيب من جميع الوظائف التي يشغلها.
ثانياً: يستمر مجلس قيادة الثورة بقيادة البكباشي أركان
الحرب جمال عبد الناصر في تولي كافة سلطاته الحالية إلى أن تحقق الثورة أهم أهدافها وهو إجلاء المستعمر عن ارض الوطن.
ثالثاً: تعيين البكباشي أركان الحرب جمال عبد الناصر رئسا لمجلس الوزراء.
ونعود فنكرر إن تلك الثورة ستستمر حريصة على مثلها العليا مهما أحاطت بها من عقبات وصعاب.
والله كفيل برعايتنا انه نعم المولى ونعم النصير, والله ولي التوفيق).
في 24 حزيران/ يونيو 1956 انتخب جمال عبد الناصر رئيسا للجمهورية العربية المتحدة بعد إعلان الوحدة
بين مصر وسورية, وذلك حتى الانفصال 28 أيلول/ سبتمبر 1961.
وظل جمال عبد الناصر رئيسا للجمهورية العربية المتحدة حتى رحل في 28 أيلول/ سبتمبر1970
موضوع: قادة وأعلام العرب2 جمال عبد الناصر 
الجمعة مارس 27, 2009 11:08 pm
